المدير العام Admin
عدد الرسائل : 147 المزاج : رايق على الآخر تاريخ التسجيل : 28/07/2008
| موضوع: قصة ورواية نتعلم منها العظة والعبرة ................ الثلاثاء يوليو 29, 2008 3:49 am | |
| --------------------------------------------------------------------------------
حوار مع الأديب الإسلامي والروائي السعودي د. عبد الله العريني قبل ليلتين من جلوسنا إليه في فندق قصر الصداقة بمدينة الخرطوم بحري التي تستلقي بهدوء وقور على شاطيء النيل الأزرق وتطل إطلالة الفيلسوف المفكر على ملتقي النيلين ، قبل جلستنا بليلتين استرقنا فرصة من الدهر غالية استمعنا فيها للدكتور عبد الله العريني هو يحاضر في مجمع اللغة العربية بالخرطوم عن قضايا نقدية حول الرواية الإسلامية، وكان مدهشا حقا أن تسمع رجلا متديناً يحدث الناس عن الرواية ونجيب محفوظ وأميل زولا والفرنسية فرنسوا ساجان، ثم ينعطف بالحديث إلى جدل النقاد حول بعض قضايا الرواية (تصوير الخير والشر.. الجنس في الرواية..العامية والفصحي ) ثم يأتي في ختام كلماته ليؤسس موقفا أدبيا من منظور إسلامي من هذه القضايا المثارة... قبيل الحوار أصرَّ الدكتور على إكرامنا ونحن أهل البلد، مثلما أكرمتنا نفسه الكريمة بالرد الهادئ العميق والإجابة الشافية رغم ما في أسئلتنا من اتهام للأدب الإسلامي ولبعض روايته بالتحيز للسعودي كبطل لمنتوجه الإبداعي . نأمل أن يكون هذا الحوار مدخلا للحوار بين المدرسة الإسلامية في الأدب والمدارس الأخرى، فإن الفكرة تحل محل صاحبها أحيانا.فإلى الحوار:
*مشكاة نت : نرحب بك د.عبد الله في السودان ويسرنا أن نكون بين أيديك محاورين ومستكشفين لجهود رابطة الأدب الإسلامي وأفكارها الأساسية وتقاطعتها مع المدراس الأدبية الأخرى ، ولكن قبل ذلك نبدأ بسؤالك عن رسالة أدب الإسلامي من منظور عام وعن تقييمك الخاص لإسبوع الأدب الإسلامي بالخرطوم ؟ أشكركم وأشكر منبركم الإعلامي على هذا التواصل مع اسبوع الأدب الإسلامي بالخرطوم ، الذي ستطاع أن يلفت الإنتباه له ... رسالة الأدب الإسلامي رسالة سمو من خلال النص الذي يجمع بين فنية الكلمة وجمالها وموافقة هذه الكلمة الفنية الجميلة لمبادئ الإسلام وتعاليمه؛ ومتى ما اجتمعت الفنية وسلامة المضمون فثمة أدب إسلامي، من حيث التقييم فهذا أمر يترك لمتابعيه ولكنِّي كأحد المشاركين في أعماله فقد رأيت إقبالا كبيرا وخاصة في واد مدني – وسط السودان- حيث إذدحمت القاعة والردهات التي حولها من أجل سماع الأدب الإسلامي.
*مشكاة نت: هل بروز مصطلح الأدب الإسلامي بل إبراز مصطلح الأدب الإسلامي هو محاولة لمحاكاة المدارس الأخرى وهل هناك ضرورة لاشتقاق هذا الاسم الآن؟ يجب أن نفرق بين الأدب الإسلامي كمصطلح، والأدب الإسلامي كظاهرة. فقد كان الأدب الإسلامي موجودا كظاهرة منذ عهد النبي صلوات الله وسلامه عليه، فكل الأدب الذي سمعه صلى الله عليه وسلم أو دعا إليه فهو بالضرورة أدب إسلامي، فمسيرة الأدب بدأت بشعراء الرسول صلى الله عليه وسلم بل بنزول القرءان الكريم، وهو أعظم نص أدب وأفخمه وأجمله، وكذلك خطب النبي وأحاديثه، واستمر نهر الأدب الإسلامي الزاخر في الجريان إلى يومنا هذا، الجديد في الأمر إننا الآن نسمي هذا النوع من الأدب الذي كان سائدا في حياة الأمة ولا تعرف الأمة أدباً سواه ؛ بمصطلح الأدب الإسلامي ..إذ نشعر بأننا نحتاج أن نعطي هذا النوع من الأدب هوية خاصة الصوت الإسلامي ليس هو الوحيد فالأدب الآن الموجود بجميع أصنافه المختلفة، فالأدب إلى يتفق مع أدب الإسلام يسمى أدبا إسلاميا فالأدب الإسلامي بهذا المعنى أدبا جديدا تميز. ومن الذين دعوا للأدب الإسلامي العلامة أبي الحسن الندوي رحمة الله، حينما قدم بحثا لمجمع اللغة العربية بالقاهرة - عندما أختير عضوا مراسلا للمجمع – "عن دور التراث العربي " وبيَّن فيه أننا نحن المسلمون لم نكتشف بعد التراث العربي ودعا إلى إكتشاف التراث العربي من جديد وقال إن الأدب الصادق الهادف الذي ينبع من تراثنا ووجداننا صادقا وعفويا وهو الأدب الذي قد لا نجده عند الشعراء المحترفين ولا كُتّاب المقامات وأهل الصناعة، ولكن قد نجد هذا النوع الذي يخرج من الأديب بسماح نفس في أخبار الرسول الكريم والسير والتراجم، وأشار الشيخ الندوي إلى عدد من المصادر ومظان الأدب الجديد وضرب مثالين رائعيين في هذا المجال، المثال الأول: قصة الإفك؛ حيث روتها عائشة رضي الله عنها بإسلوب أدربي بارع مؤثر من أول أحداثها إلى نزول خبر السماء ببرائتها، والثانية : قصة المختلفين عن غزوة تبوك حيث قصها كعب بن مالك الشاعر الفحل كما في حديث البخاري، فعلق أبو الحسن قائلا: ( نحن أمام ذخائر وكنوز ينبغي أن نستفيد منها لنجعلها في مخيلة المبدع العربي، هذه النصوص إلى تجمع ين بلاغة الكلمة ورعتها ونقاء المضمون وبعده عن السالب المعارض للقيم والأخلاق).
*مشكاة نت: الأدب الإسلامي: هل يمكننا القول بأن المدرسة الإسلامية في الأدب قد أصبحت مدرسة مكتملة الأركان واضحة المعالم؟ نحن ندفع بالأدب الإسلامي ليكون مدرسة نظيرة للمدارس الأخرى لا نستطيع أن نقول أننا استطعنا تشكيل هذا التوجه ..فالأدب الإسلامي أمامه أسئلة كثيرة مازالت تحتاج لإجابات: ما موقف الأدب الإسلامي من المدارس الأديبة الأخرى، موقفه من قضايا النقد الحديثة، موقفه من فنون الأدب.. كلها قضايا – مع الوقت – يتوفر إجابات علمية عليها ولا نعول على الوقت وحده ولكن إنتاج الأدباء الإسلاميين قد يعين على إبراز سمات مميزة للأدب الإسلامي.. فالشعر الإسلامي استطاع أن يحقق حضورا كاسحا وعن قريب تتميز الفنون الأدبية الأخرى بإنتاج أدبي وتقوى على التمكن من الوجدان العربي والإسلامي.
*مشكاة نت: تعريفكم للأدب الإسلامي الذي تبنته الرابطة تعريف فضفاض واسع يتمدد في التاريخ ويضم نماذج كثيرة من عهده صلوات الله وسلامه عليه إلى يومنا هذا فيكف تستطيع تأطير ذلك كله في مدرسة ذات معالم واضحة ومميزة؟ هذه السعة ليس سلبية لأن الأدب الإسلامي متسامح، فهو يريد أمرين من الأديب، الجانب الفني ويريد أيضا المضمون، وهو ليس فضفاضا بل مرنا فسعته هي سعة الإسلام نفسه، فدائرة المباح واسعة عريضة فالمحرم علينا شرعا مشروبا واحدا هو الخمر وأباح لنا جميع المشروبات، يكفي الأدب أن يبتعد عن الحدود المحرمة وينطلق مبدعا وسع طاقته في الإبداع فمثلا في تناول الجنس في العمل الأدبي فيكفي أن تتجنب الإثارة ولا حرج في أن تشير لهذه العلاقة ومثلها تصوير الشر فالمهم ألا تجعل الشر مغريا للقاريء! الأدب الإسلامي يمكن أن يكون غرائبيا أو واقعيا ومثاليا وكلاسيكيا ورمانتيكيا ورومانسيا وكل أنواع "العصائر".
*مشكاة نت: هذه التنوع الذي ذكرته قد يعزز الإتهام الموجه للأدب الإسلامي بأنه لا يعدو أن يكون إطارا أخلاقيا وقيميا وليس مدرسة أدبية متميزة ؟ أتفق معك لسبب معين وهو أن الجانب الفني بطبيعته محايد؛ فنحن نستفيد منه مثلنا مثل غيرنا، وحين نقول إنه محايد معنى هذا أنه لا يمانع من تشكيل النص بأي شكل تريده (.. رمزي..خيالي..ألخ) بشرط أن تحافظ على مضمون الأدب الإسلامي وفكرته ولهذا أستطيع القول بإطمئنان إن الأدب الإسلامي هو واسع ومرن على عكس ما يظن الآخرون من أن الأدب الإسلامي مجرد مواعظ وموالد ومدح للرسول صلى الله عليه وسلم وتذكير بالصلاة والزكاة ..الأدب الإسلامي هو أوسع من ذلك، بل هو أوسع من تلك المدارس الأدبية الأخرى،لأن الأدب الرومانسي لا يطيق القواعد الكلاسيكية، والرمزي يرفض القواعد الواقعية، وهكذا، أما الأديب المسلم فيمسك العصا من الوسط ويستمتع بكل هذه المدارس الفنية وينتفع بها فالحكمة ضالة المؤمن وأنَّا وجدها فهو أحق الناس بها وهذا عنصر من عناصر نجاح الأدب الإسلامي وإحدى علامات قوته وانفتاحه.
*مشكاة نت: يتهم الأدب الإسلامي بأنه أدب شعر وفقير في القصة والرواية؟ دعنا نعود للأصل، القص عند العرب ظاهرة لفتت انتباه المستشرقين وقالوا إن الذائقة العربية تحب القصص بدليل إقبال الناس على (قال الراوي) في المقاهي وغيرها وقد لاحظوا كيف ينفعل العرب تلك الحكايات، وأهم من ذلك كله هو أن القصة واردة في القران الكريم وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قامت جهود مشكورة باستخراج القصص التي رواها الرسول الكريم في أحاديثه وقد أخرجت كلية اللغة العربية بالجامعة التي اعمل بها كتابا من ألف صفحة تحت عنوان (القصص الإسلامية في عهد النبوة الخلفاء الراشدين ) وإذا أردت أن تسمع القصص الرائعة والرائقة فدونك السير وكتب التراجم.
*مشكاة نت: القصص واضحة الوجود بينة المكان في الأدب العربي كما ذكرت ولكن محط سؤالنا كان: أين الرواية؟ ذكرت القصة كمنطلق، فنحن أهل القصص وذكرت هذا لن بعضهم يتوهم أن العرب جديدين في عالم القصة وأنهم لم يدخلوه إلا بعد أن وفدت إلينا القصة من أوربا رغم أنهم يتلوون قوله تعالى (فاقصص عليهم ) (أحسن القصص)..والرواية هي نوع من القصة وقد جاءت بصورتها الحديثة من الغرب .. والرواية نوع من القصة تفرد مساحات واسعة لتفصيل الأحداث والصراع والعقدة والإيقاع والتوقيت والبداية والنهاية وما يتعلق بها، هذا النوع من القصة (الرواية ) ورد إلينا حديثا لذا كانت أعمال الرواد كنجيب محفوظ وغيره أشبه ما تكون بالترجمة للرواية العالمية ولكن الآن قد بدأت تتشكل ملامح رواية عربية. أما الرواية في الأدب الإسلامي فقد بدأت والحمد لله علي يد د. نجيب الكيلاني وقد كتب أكثر من خمسين رواية وقد ظهرت أقلام إسلامية أخري بجانب د.الكيلاني ولي شخصيا بجهود متواضعة وإنتاج في هذا المجال .
*مشكاة نت : يقول زكي نجيب محمود، أن العرب أمة لفظة ولهذا لا يمكنهم إنتاج رواية لأن الرواية تركز على المضمون بصورة أساسية وليس اللفظ ويرى وفق هذا التصور أن العرب أفلحوا في الشعر وفشلوا في الرواية، فما تعليقكم؟ هذا رأي خاص بزكي نجيب، وقد ثبت خطأه فالعرب استطاعوا كتابة الرواية وقد فاز أحدهم بجائزة نوبل من خلال الرواية، وزكي نجيب فيلسوف يهوِّم في برج عاجي، فهو يطرح أحيانا كلمات لا تجدها – عند النظر- دقيقة تماما، والواقع يشهد للأمة العربية بخلاف قول زكي وكما ذكرت لكم نحن أمة القصة بل أمة (أحسن القصص)، فالدكتور نجيب الكيلاني وحده له أكثر من خمسين رواية منها (روايات إسلامية لعمالقة الشمال)،(ليالي تركستان)،(عذراء جاكرتا) وهي روايات رائعة جدا وقد طبعت أكثر من إثني عشرة طبعة، و د. زكي نجيب محمود أستاذ في إطاره الفلسفي، ونحن نتكلم في الأدب، وبين الأدب والفلسفة مساحة للتماس ولكن ليس بالضرورة أن ما ينطبق على الفلسفة يجب أن ينطبق على الأدب ..
*مشكاة نت: نجيب محفوظ الذي اعتبرته دليلا عربيا يكذب إستقرأ زكي نجيب ،في محاضرة لك بالخرطوم وفي مطلع هذا الحوار قلت عنه إنه ترجمة عربية لفرنسي إميلا وليس أصيلا؟ الريادة لها عقباتها وهي محفوفة في أولها بالتقليد ومن الطبيعي أن يكون جيل الرواد غير ممتليء أصالةًً ولكن الأجيال التالية تبدو فيها ملامح أصالة وقولي على نجيب ليس إفتراءا مني عليه بل إن نجيب نفسه صرح بتأثره بإميل زولا.
*مشكاة نت: ما هي الأعمال التي نقل فيها محفوظ عن إميل زولا؟ نجيب لم ينقل كتابا مقابل كتاب ولكن الفكرة قابلها بفكرة عربية مثلا إلحاح " زولا" على قضايا الجنس وجعله أساسا لأدبه وقد تأثر نجيب به في هذا فجعل الجنس في أدبه فاقعا ..أخبرني عن رواية لنجيب ليس فيها جنس .. فقد صور محفوظ العربي وكأنه ليس له من هم سوى الجنس، فالجنس الذي صوره "زولا" كان انعكاس لواقع فرنسا حيث الجنس فيها بلا حدود معروفة يمارس في إطارها والزوجية ليست وحدها طريق للجنس وهذه الصورة ليست الواقع الحقيقي في العالم العربي وإن وجدت فانحراف وشذوذا عن القاعدة.
*مشكاة نت : هل هناك نماذج عربية للتقليد غير نجيب محفوظ؟ الأدبية غادة السمان هي صورة "لفرانسوا ساجان "، التي توفيت مؤخرا و صاحبة رواية"قليل من الشمس في الماء البارد" وساجان كاتبة وجودية فرنسية، وقد نوقشت رسالة ماجستير في الجامعة الأمريكية ببيروت ، هذه العلاقة الوثيقة بين أدب ساجان وكتابات غادة السمان. كلماتي لا تنطلق من فراغ؛ فقضايا المرأة التي طرحتها غادة السماء هي نفسها التي تناولتها فرانسوا ساجان وسيمون ديموفوار؛ فهل قضايا المرأة المسلمة المعاصرة هي قضايا المرأة كما تطرحها سيمون أو ساجان ؟ للمرأة العربية خصوصيتها وقضاياها المستقلة ولذلك لها عقارها المداوي الخاص وينبغي أن يعالجها الأدب معالجة خاصة بها ومميزة.
*مشكاة نت: هذا الإتهام وجه أيضا لأديبنا السوداني الطيب صالح ونسبت بعض أفكار أعماله لروايات إنجليزية كرواية "شجرة الدردار العظيمة " فما تعليقكم؟ لا علم لي بهذا الإتهام ولكن رواية الأديب الطيب صالح المشهورة "موسم الهجرة للشمال" ورواية قنديل أم هاشم" ليحي حقي و"الحي اللاتيني" لسهيل إدريس و"عصفور الشرق" لتوفيق الحكيم هي التي جعلتني أكتب روايتي "دفء الليالي الشاتية " لشعوري أن هؤلاء الكتاب قدموا العربي: إنسان ممزق منهار وضعيف وخطاب الجنس يكتسحه إلى العظم وإنه ينس قيمه ومبادئه ويجعلها وراء ظهره بكل يسر..تأثرت جدا وتساءلت هل كل عربي يذهب لأوربا كان بهذا الشكل وتلك الروح وعاش هذه الهزيمة التي قال عنها شاكر النابلسي أنه يعوض بالجنس ما فقد من الحضارة؟ أليس هناك نماذج عربية مسلمة ذهبت لتلك الديار ومثلت صورة مشرقة لبلدها وتقاليدها ودينها وعقيدتها ؟ أجزم أن ليس كل من ذهب لأوربا ضاع وذاب وكأنه (فص ملح) ألقي في بحر خضم؟ هذه النماذج استطاعت أن تكون مرسلة للقيم وليست مستقبلة واستطاعت أن تضع يدها على جرح الحضارة الغربية النازف بعقلية واعية متبصرة تدرك أن مجتمعنا أفضل من تلك المجتمعات في بعض الجوانب إن لم نقل في معظم الجوانب ، فرواية "دفء الليالي الشاتية" كتبتها لشعوري بأن صورة العربي المشرقة لم تكتب بعد ولم تعرف في الأدب حتى الآن ومن خلال هذا الشعور كان بطل روايتي طالب عربي ذهب للدراسة في أمريكا مع زوجته أمل وابنته منائر وكيف أنه استطاع إقامة جسور مع الآخرين ينقل عبرها مشاعره وقيمه، كما بدا ذلك في شعور "مسز بودي" الأمريكية التي شاركوها السكن حين قالت وهي تودعهم (لا أستطيع الابتعاد عنكم فكل ما بحثت عنه من حب وعطف وحنان هو معكم وعندما ترحلون لن يبق لي منه شيء) هل تصدق أنني عندما أعدت قراءتها بكيت عند هذا الموضع وأنا كاتب الرواية؟
*مشكاة نت : في القديم قال الجاحظ أن الأمثال لا تعرَّب بمعني لا تحول من اللغة العامية الدارجة التي قيلت بها إلى اللغة العربية الفصيحة واستخدمها أدباء العربية في نصوصهم على طريقة " التناص" وبالمقاربة بين هذه الفكرة وفكرة إقتباس النصوص القرانية والأحاديث النبوية ، يتهم هذا الإستخدام بأن يضعف النص الأدبي فكيف تردون على هذا الإتهام؟ هذا ليس صحيحا العبرة هل وقعه هنا مناسبا أم غير مناسب؟ لماذا؟ لأن أروع نص يمكن أن نستخدمه هو الآيات والأحاديث وهل هناك نص أدبي أكثر من منها دلالة وأجمل ؟ التناص هنا يجب أن يكون مستخدما إستخداما مناسبا ليعطي عطاءا مؤثرا، وقد استخدمت آيات كثيرة في روايتي وراعيت فيها شروط استخدامها.
*مشكاة نت : بعض الحداثيين يقولون(النص القرآني لا يمكن أن يكون نصا أدبيا حداثيا) بإعتبار أن قدسيته تمنعنا من إخضاعه للنقد وهذا الحرج يفقد النص الأدبي مميزة النقد أو يفقد النص القرآني قدسيته إذا أخضع للنقد، مارأيكم؟ إذا أردنا أن نُعِّرف ماهو الأدب الجميل؟ أليس هو الكلمة المؤثرة البليغة؟ هذا هو التعريف العالمي للأدب حتى التعريف الألماني والروسي يعرفه هذا التعريف وهو أدق التعريفات للأدب، لأنه يركز على فنية الأدب لأن التعريف الإنجليزي يربط الأدب بالثقافة، والتعريف العربي يربط الأدب بالتربية والتهذيب أم التعريف الألماني وروسي فيقول (الأدب هو فنية الكلمة) والله تبراك وتعالى جعل إعجاز نبيه الخاتم كلمة بليغة مؤثرة، فإن لم تكن هذه الكلمة هي الأدب فما هو؟ أما أن يأتي أُناس ويتعرضوا لقدسيتها فهذه محاولات قديمة منذ زمن أبوجهل ولكن هل استطاعوا أن ينالوا من قدستها بل ظل النص القرآني منتصرا بعظمته وقدسته وجماله وفنيته وقيمته الأدبية بجانب قيمته التشريعية وقيمه التي لا تنتهي أو تحد.
*مشكاة نت: لاحظت أن البطل في رواياتك سعودي الجنسية دائما لماذا؟ بين محلية لا تستطيع أن تتواصل معها كما فعل الطيب صالح "في عرس الزين" حيث لم أتمكن من الإستمتاع بها لإغراقها في المحلية وحدثني سودانيون أن اللهجة التي كتبت بها الرواية لا ينفعل بها أغلب السودانيين ... وبين أن تتنكر لمجتمعك وتدير له ظهرك وتكتب عن مجتمع آخر... هناك يوجد خط وسط ينبغي أن يسير عليه الأديب. صحيح أنني تحدثت عن شباب سعوديين في رواياتي ولكنك لن تستطيع أن تمسك بيدك شيئا في الرواية مغرق في المحلية بل أحيانا تكون جغرافيا الرواية محل خارج المملكة العربية السعودية كما في روايتي (مثل كل الأشياء الرائعة ) جرت أحداثها في دولة جزر القمر ورواية (مهما غلا الثمن) جرت في أندونيسيا.. كأنها تتقاطع مع البيت السعودي ولكن تتصل بالآخر.
*مشكاة نت : قضية الخير والشر في الرواية الإسلامية أنت بنيت البطل خيِّر منتصر دائما في روايتك؟ أنت بهذا السؤال تضع يدك على خصائص الأدب الإسلامي، أن الآخرين يقدمون الشر على أنه الواقع وإذا سألتهم لماذا يفعلون ذلك، يجيبونك:هذا هو الواقع. لماذا لا نسلط الضوء على بقعة خير في ذلك الواقع، ليس المهم أن تكتب في الأدب والمهم ما الذي سيثيره في نفس القاريء؟ وأنت عندما تكتب عن شخصية خيِّرة أو لحظة سامية، فأنت بذا تزرع الحب والخير والتفاؤل، أما عندما تركز على عنصر الشر، فلربما نقلت فيروسه للقاريء.
*مشكاة نت: نحن لا نطالبكم أن يكون أبطالكم – كأدباء إسلاميين- أشرارا ولكن نريد نقل صورة المجتمع الحقيقية أولا ثم لماذا تفترضون عصمة في أبطالكم أليسوا بشرا ؟ وأين لحظة الضعف البشري في روايتكم ؟ ملاحظتك صحيحة ولا عصمة لبطلنا ففي رواية (دفء الليالي الشاتية) كان احد شخصياتها الرئيسية (سليمان)ليس مستوى الإسلام وكذلك (في مثل كل الأشياء الرائعة) كان فيها شريرا. | |
|